نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1205
وحين توضع قضية ذهنية في مواجهة قضية ذهنية. وحين يتم التعامل مع هذه القضايا، بدون استصحاب الملامسة الباطنية للحقيقة والتجربة الواقعية في التعامل معها، فإنه لا يمكن أبداً أن يتم تصور كامل وصحيح لهذه الحقيقة.. وهذا ما وقع في الجدل الإسلامي.. وفي غيره كذلك! إنه لا بد من منهج آخر ومن تذوق مباشر للتعامل مع هذه الحقيقة الكبيرة..
ثم نعود إلى السياق القرآني:
إن هذه الموجة بجملتها تجيء كالتعقيب على قضية الذبائح التي سبق بيانها فترتبط هذه بتلك، حزمة واحدة في السياق، وحزمة واحدة في الشعور، وحزمة واحدة في بناء هذا الدين. فقضية الذبائح هي قضية التشريع. وقضية التشريع هي قضية الحاكمية. وقضية الحاكمية هي قضية الإيمان.. ومن هنا يكون الحديث عن الإيمان على هذا النحو في موضعه المطلوب.
ثم يجيء التعقيب الأخير في هذا المقطع يربط هذه وتلك الرباط الأخير.. فهذه وتلك صراط الله المستقيم.
والخروج في واحدة منهما هو الخروج عن هذا الصراط المستقيم. والاستقامة عليهما معاً.. العقيدة والشريعة..
هي الاستقامة على الصراط المؤدي إلى دار السلام، وولاية الله لعباده الذاكرين:
«وهذا صراط ربك مستقيما. قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون. لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون» ..
هذا هو الصراط.. صراط ربك.. بهذه الإضافة المطمئنة الموحية بالثقة المبشرة بالنهاية.. هذه هي سنته في الهدى والضلال وتلك هي شريعته في الحل والحرمة. كلاهما سواء في ميزان الله، وكلاهما لحمة في سياق قرآنه.
وقد فصل الله آياته وبينها. ولكن الذين يتذكرون ولا ينسون ولا يغفلون هم الذين ينتفعون بهذا البيان وهذا التفصيل. فالقلب المؤمن قلب ذاكر لا يغفل. وقلب منشرح مبسوط مفتوح. وقلب حي يستقبل ويستجيب.
والذين يتذكرون، لهم دار السلام عند ربهم.. دار الطمأنينة والأمان.. مضمونة عند ربهم لا تضيع.. وهو وليهم وناصرهم وراعيهم وكافلهم.. ذلك بما كانوا يعملون.. فهو الجزاء على النجاح في الابتلاء.
ومرة أخرى نجدنا أمام حقيقة ضخمة من حقائق هذه العقيدة. حيث يتمثل صراط الله المستقيم في الحاكمية والشريعة. ومن ورائهما يتمثل الإيمان والعقيدة.. إنها طبيعة هذا الدين كما يقررها رب العالمين..